ليس الحجاب الذي نعنيه مجرد ستر لبدن المرأة .. إن الحجاب عنوان تلك المجموعة من الأحكام الاجتماعية المتعلقة بوضع المرأة في النظام الإسلامي ، والتي شرعها الله سبحانه وتعالى لتكون الحصن الحصين الذي يحمي المرأة ، والسياج الواقي الذي يعصم المجتمع من الافتتان بها ، والإطار المنضبط الذي تؤدي المرأة من خلاله وظيفة صناعة الأجيال ، وصياغة مستقبل الأمة وبالتالي المساهمة في نصر الإسلام والتمكين له .
لقد حرص الإسلام على أن يحوط المسلم بمناعة تحفظ له كرامته وإنسانيته، وتحقق له سعادته واستقراره، وتحول دون حرمته أن تهتك، وعرضه أن يهان، وشرفه أن يستباح. ولهذا نظم الإسلام العظيم (الزواج) وفرض (الحجاب)، ليصون الفرد والأُسرة، ويحفظ المجتمع والدولة، من جنوح الشهوة، وهياج الغريزة، من دون أن يسبب هذا الزواج أو الحجاب (أي عائق أو مشكلة) لتحصيل العلم، أو ممارسة العمل، أو أداء الالتزامات اليومية. والغريزة الجنسية غريزة فطرية جامحة، لا يمكن كبتها أو الحيلولة دون الاستجابة إليها. إلا أن إطلاق العنان لها، من غير تنظيم وتحديد، هبوط إلى أدنى مستويات الحيوانية. فصارت (المسلمة المحجبة) ، ذات شخصية أكثر اتزاناً، وحشمة وجمالاً، من تلك التي تتبذّل، وتبدي مفاتن جسمها، وتستهوي الشباب الطائش، وقد يعتدي عليها بجرائم (المعاكسة) أو (الاختطاف) أو نحو ذلك، ويصيبها من الأذى ما لا قبل لها به، قال تعالى: {يَا أيُّها النبيُّ قُل لأزواجكَ وبناتكَ ونساءِ المؤمنينَ، يُدنينَ عَليهِنَّ من جَلابِيبهنَّ، ذلكَ أدنى أن يُعرَفنَ فلا يُؤذَينَ وكانَ اللهُ غفوُراً رَحيماً}.
إن المرأة المحجبة تثبت عملياً أنها صامدة إزاء التيارات الوافدة، والانحرافات السلوكية، وتبرهن عملياً أنها تعتز بحرمة كرامتها، وتغار على تماسك شخصيتها، وتلتزم بأحكام دينها، وتزدري بأساليب الإغراء والإغواء. ونحن نجد ـ والحمد لله ـ ظاهرة التحجب: تتسع يوماً بعد يوم، رغم كل الحملات الضالة، والوسائل الخبيثة، التي يختفي وراءها أعداء الفضيلة، وخصوم الإسلام. سيقول المنافقون، والذين في قلوبهم مرض: ان ظاهرة التحجب (موضة) وليست بدافع الإيمان والتقوى. وسيقول أشباه المتعلمين: إن ظاهرة التحجب (خطوة رجعيّة) لا نعرف لها تفسيراً أوتبريراً. وسيقول السذج والبسطاء: إن ظاهرة التحجب بمناسبة (فصل الشتاء)، وسيعود التهتك بحلول فصل الصيف. ونحن نقول لهؤلاء جميعاً، ولغيرهم: إن الإسلام بدأ غريباً وسيعود غريباً، كما بدأ، فطوبى للغرباء، الصامدين على عقيدتهم. ونقول لهم أن الإسلام نور الله في الأرض، ولن يستطيع دعاة الشر والرذيلة إطفاءه، مهما اقترفت أقلامهم، أو افترت أفواههم:
{يُريدُونَ أن يُطفئوا نورَ اللهِ بأفواهِهِم ويأبى اللهُ إلاّ أن يُتمَّ نُورَهُ ولو كَرِهَ الكافِرونَ}.(